الباحث المغربي الحبيب ناصري : كي السياسة بالفيلم الوثائقي ممكن؟

العرب تيفي
24 ساعةكتاب العرب
24 مارس 202273 مشاهدة
الباحث المغربي الحبيب ناصري : كي السياسة بالفيلم الوثائقي ممكن؟
الكاتب : الحبيب ناصري
NASRI PETIT ALARABETV - العرب تيفي Al Arabe TV
للسياسة عوالمها المغلقة. في حضن كواليسها تتخذ القرارات المصيرية الكبرى، في كل أنحاء هذا العالم. بل نتحول فيها ككائنات بشرية، مجرد أرقام “تباع” و”تشترى”، وفق من يملك قوة عسكرية واقتصادية وتكنولوجية كبرى. يكفي اليوم، تحليل ما يجري في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، لنستخلص أن ما يقدم لنا من مواد بصرية، وغيرها، في عوالم تلفزية (يبتسم فيها مقدمو النشرات)، ربما ليس هو ما يقال ويقرر في تلك العوالم المغلقة. السياسة، لها خصوصياتها ومعجمها وأهلها الذين يجيدون كيفية الدخول لدهاليزها و”الفتك” بخطابين قد يكونان متضادين. واحد للعوام والثاني للخواص، وربما قد نجد خطابا ثالثا لخاصة الخاصة.
عالم اليوم، تتصارع فيه العديد من القوى. كل قوة من القوى الكبرى، ترغب في تملك ما يمكن تملكه مما بقي تحت وفوق الأرض من معادن، بعد أن فعلت بها الرأسمالية ما شاءت، وبحثا عن المال ولا شيء آخر غير المال. ربما نعيش، الآن، تحولات كبرى سترخي بظلالها على عالم الغد. صراع روسيا والصين وأمريكا وأوروبا، هو اليوم ظاهر وخفي في الوقت نفسه.
ما موقع انشغالاتنا كمحبين للفنون أو كممارسين لها أو كمتابعين لها، ضمن سياسة عالم اليوم؟. لنطرح السؤال بصيغة أخرى. هل من الممكن أن يساهم الفن بشكل عام، في أنسنة وعقلنة، وبلغة الفن، عالم اليوم/الغد، كمحاولة لقول لا، وبلغة “الجذبة” الفنية ضد ما يحاك للإنسانية، التي ترغب في عيش بسيط وهادئ وحالم وغيرمقلق على الدوام؟.
الكي بالسينما : ممكن؟
السينما، وبشكل عام، مطالبة وبلغتها السينماتوغرافية الجمالية، وبحدوثاتها أن تساهم في رفع منسوب الجمال لدى الناس. رحم الله عباس محمود العقاد، حينما سئل كيف من الممكن أن يساهم الشعر في تغيير عقلية الناس؟. طرح له هذا السؤال، ضمن ما يسمى بأدب الالتزام، وضرورة البحث عن قول شعري ملتزم وبشكل مباشر وتقريري. طبعا رد العقاد رحمه الله، قائلا ما مفاده، إن تحبيب الشاعر الجمال للناس ومن خلال شعره الماتح من لغة الورود، سيساهم في جعل الناس تبحث عن الجمال في حياتها، وستتساءل عمن زرع هذا القبح أو العفن بيننا؟.
وظائف عديدة على أهل السينما القيام بها، لاسيما في عالم يسوده الهبل السياسي المرهون بحفنة من البشر تتحكم في رقاب الناس وقوتهم وراحتهم وسعادتهم في عالم اليوم الذي تديره القوى الكبرى . أصبح الخوف، صناعة مقصودة، وكمدخل للفتك بهوى الناس وجعلهم يعيشون في دوائر مغلقة للتحكم في كل مصائرهم.
واهم من يعتقد أن عالم اليوم وبعد كورونا، سيعيش على ما كان عليه من قبل. ما كان من قبل وفي نظر العديد من الباحثين في مجال العلوم والطب، الخ، قد يصبح حلما. ربما، وفي اعتقادي،فالإنسانية ستعرف مرحلتين كبيرتين للتأريخ وهما، مرحلة ما قبل كورونا وما بعدها. عالم جديد قد ترسم ملامحه ومن خلال ما يدور حاليا من حرب بين روسيا وأوكرانيا، ومن خلف الثانية أمريكا وأوروبا.
كي قبح العولمة بالوثائقي؟
فنون عديدة بدأت تتساءل عما يجري في هذا العالم. بنيات معجمية، ولجت العديد من الفنون، ولم تكن من قبل حاضرة في عوالمها المعجمية. نعم حضر الوباء في فنون عديدة. لكن، لم يسبق أن حضر وباء كورونا أو كوفيد 19 وما تسبب فيه من تغييرات في حياة وطباع الناس. الفيلم الوثائقي، وفي اعتقادي، مدخل مهم لحكي العديد من القصص الوثائقية الإبداعية المفيدة للناس. حينما نتحكم في أدوات حكيه الإبداعية، من الممكن جعله وسيلة لكي هبل السياسة. من الممكن جعله نافذة، نطل من خلالها على الأمل الذي تقبض عليه الإنسانية كلما وجدت نفسها في محك صعب، بل وكلما وجدت نفسها أن كمشة من الناس في هذا العالم، تخطط لجعلها تعيش الألم. أصوات جميلة من الممكن جعلها تبوح وبقصص بسيطة، لقول لا وبلغة الفن والجمال، لكل من يريد أن يسرق الحياة من الناس. قول لا وبلغة الوثائقي، هو قول إبداعي وإنساني. قول يتمسك بالحق في الحياة وحياتها، ومن خلال رؤية للعالم تحكى وبشكل بسيط وعن جوانب حياتية بسيطة.
الوثائقي، يظل دوما تلك النافذة الصغيرة في حجمها، لكن، كبيرة في مدلولاتها الفنية والجمالية والإنسانية. تتبع إبداعي بصري لحالة إنسانية ترغب في البوح من خلال صورة الفيلم الوثائقي، في اعتقادي، هو كي لسياسة هذا العالم وبلغة الفن والجمال. كي قد يعالج ألم هذه العولمة كما يعالج الكي ألم ركبة إنسان .
الكي بالوثائقي، بوح فني آخر، قد ينضاف لبوح الرواية والشعر والتشكيل، الخ. من هنا علينا أن نبني رهانات جديدة، من الممكن أن يقوم به الفيلم الوثائقي، في ظل هذه التحولات التي يعرفها عالم اليوم. سيزداد الاقبال عليه بكل تأكيد. السبب؟. لكونه ملاذا جماليا آمنا. ملاذ من خلاله من الممكن أن يسترجع الإنسان ما تبقى من إنسانيته. من خلاله أيضا من الممكن أن نؤرخ للعديد من الوجوه البسيطة التي لا أحد يلتفت إليها. وجوه أعيتها الحياة التي صنعها الآخر لها. وجوه بها يكوي الوثائقي سياسة هذه العولمة التي لا ترحم البسطاء.
سيزداد عشق الوثائقي، وأنا متأكد من كلامي هذا، بالمقارنة مع العديد من الفنون البصرية الأخرى، لاسيما حينما نكون أمام فيلم وثائقي إبداعي “خام” ولا تكلف فيه ولا تصنع ولا إبهار بالصورة وبخدع السينما التخييلية، لاسيما تلك “المتورطة” في “تخدير” المتلقي وجعله يقبل بتحويله لبضاعة تباع وتشترى، وفق منطق القوي المتحكم في مسارات الحكي الداخلي للقصة والمتآمر بشكل أو بآخر مع من يريد “تبضيع” الحياة و”تضبيع” الإنسان و”تعليب” الفرح وفق معايير مخدومة بشكل مبهر كما تبهرنا صورهم، ومن ثم الاستسلام ل”ماكينة” الاقتصاد المعولم، والذي تغير فيها الأذواق نحو أذواق قابلة للبلع والاستهلاك فقط، دون طرح السؤال..
آفاق إبداعية وإنسانية وجمالية عديدة، من الممكن أن يلعبها ذلك الفيلم الوثائقي البسيط، كبساطة حياة نطاردها للقبض عليها. نوافذ صغيرة وجميلة، من الممكن أن نميل إليها كلما وجدنا أنفسنا أمام قصصفيلمية وثائقية بسيطة حالمة بحياة بسيطة في عالم معقد ولا ينتعش إلا ضمن المعقد.
د.الحبيب ناصري : باحث مغربي
المصدر: قناة العرب تيفي
رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.