الغباء الأمريكي ودروس التاريخ

كتاب العرب TV
13 أكتوبر 201385 مشاهدة
الغباء الأمريكي ودروس التاريخ

وضعت الولايات المتحدة الأمريكية خطوط سياستها الرئيسة كقوة عالمية عظمى ابتداء من الأشهر الأخيرة للحرب العالمية الثانية في بدايات عام 1945 حين تأكد انتصار الحلفاء على دول المحور وكان التصور الأمريكي للصعود العالمي كقوة عظمى يتمثل في محورين:
* المحور الأول: ويتم التعامل فيه مع الحلفاء الطبيعيين للولايات المتحدة خاصة انجلترا وفرنسا وإمبراطوريتهما الاستعماريتين اللتان كانت تشملان معظم الدول الآسيوية والإفريقية بمنطق الإزاحة والحلول بمعنى إجلائهم عن مستعمراتهم القديمة والحلول بالنفوذ الأمريكي المعتمد على المساعدات الاقتصادية والنفوذ الأدبي المتحرر من أخطاء الحقبة الاستعمارية الأوربية المعادية لشعوب المستعمرات وذات السمعة السيئة في التعامل معهم.
وكانت منطقة الشرق الأوسط وفي القلب منها مصر والمملكة السعودية من أهم المناطق التي بدأ الأمريكيون ممارسة منطق الإزاحة والحلول فيها ففي شهر فبراير سنة 1945 وصل الطراد الأميريكي كوينسي إلى منطقة قناة السويس وأرسى في البحيرات المرة وسط القناة حاملاً الرئيسي الأمريكي ” فرانكلين روزفلت ” الذي هرع للقائه بناء على طلبه كل من الملك فاروق الأول ملك مصر والملك عبد العزيز آل سعود ملك السعودية وفي حلق كل منهما مرارة وغضب من السياسة البريطانية ومحاولاتها إكراه البلدين بسياسة استعمارية قاسية تستخدم منطق التهديد والسيطرة والتلويح باستخدام القوة وخرج كل من الملكين من مقابلة الرئيس وقد فهما أنه يمكن لهما الاعتماد على دعم الولايات المتحدة في التخلص من الاحتلال البريطاني الذي جثم على قلب مصر منذ سنة 1882 ، والنفوذ البريطاني في الخليج العربي وخليج عدن المهدد للسعودية واستخدمت الولايات المتحدة نفس السياسة مع فرنسا في سوريا ولبنان وتونس والمغرب وفي دول أخرى في آسيا كالهند وجنوب شرق آسيا وإيران في أزمة تأميم البترول الإيراني سنة 1951 حيث تم إقصاء الشركات البريطانية وحلول الشركات الأمريكية محلها.
* المحور الثاني: ويتم التعامل فيه مع حليف الأمس عدو اليوم الاتحاد السوفيتي وذلك بإحاطته مع الدول السائرة في فلكه بمجموعة من القواعد العسكرية والأحلاف الدولية التي تشكل فيها الدول الصغيرة المحيطة بالمعسكر السوفيتي مقراً لقواعد الحلف الذي تشارك فيه أمريكا وحلفاؤها الغربيون وتقوم بتسليح جيوش هذه الدول في الحدود المطلوبة وإقامة القواعد العسكرية ” الأمريكية غالباً ” فيها فنشأ حلف شمال الأطلنطي ” الناتو ” وحلف جنوب شرق أسيا وكانت ثورة 1952 قد قامت في مصر ووضعت جلاء الاستعمار البريطاني في صدر أولوياتها مستغلة محور الإزاحة والحلول الذي تبنته الولايات المتحدة بحيث تسمح بدعمهم في الإزاحة والاعتذار بلباقة عند فتح باب الحلول الذي رآه عبد الناصر استبدالاً باحتلال بريطاني احتلالاً أمريكياً وكانت المنطقة تحتوي قاعدة قناة السويس العسكرية التي تعد أكبر قاعدة عسكرية في العالم تسيطر عليها بريطانيا وتتحرق أمريكا شوقاً إلى الحلول محل الإنجليز فيها ، وتحدد هدف السياسة الأمريكية بالنسبة لمصر في محورين هما:-
1- ضم مصر لتحالف غربي عن الشرق الأوسط تكون مصر وقاعدتها في قناة السويس مركزه وضم الدول الرئيسية في المنطقة مثل إيران وتركيا والعراق والأردن إليه.
2- اتخاذ سياسات للمساعدات الاقصادية والعسكرية لمصر تؤدي إلى معاهدة صلح بين مصر وإسرائيل تتبعها فيه بقية الدول العربية لتكتمل السيطرة الأمريكية على منطقة خالية من النزاعات داخلها وتكتمل دائرة حصار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية.
* ولما وجهت بالإصرار المصري على عدم فتح أية مفاوضات في موضوع الدفاع المشترك قبل جلاء آخر جندي بريطاني عن قاعدة قناة السويس أوعزت إلى بريطانيا ببدء تكوين الحلف بعيداً عن مصر على أن تكون العراق دولته المركزية ثم يتم ضم مصر إليه بعد الجلاء وفعلاً قام حلف بغداد بعضوية العراق وإيران وتركيا وباكستان ، وهو ما اعتبرته مصر خروجاً على ميثاق الدفاع العربي المشترك وتهيئة للصلح مع إسرائيل وحاربته بعنف وأيدتها المملكة السعودية في معارضته ، ورفض الشعب الأردني قرار حكومته بالانضمام إليه فرفضت الولايات المتحدة تسليح الجيش المصري عقابا لمصر على هذا الموقف فكان قرار عبد الناصر سنة 1955 باستيراد السلاح من الكتلة الشرقية ضربة قاصمة للسياسة الأمريكية ، ومات حلف بغداد بالسكتة المفاجئة بعد اعتداء بريطانيا وفرنسا على مصر في 29 أكتوبر سنة 1956 حين لم يستطع أعضاؤه من الدول العربية والإسلامية بتبرير موقفهم أمام شعوبهم التي ثارت على تحالفهم مع المعتدين على بلد عربي إسلامي كبير وتحولت السياسة الأمريكية إلى عداء سافر مع مصر ووضعت عشرات الخطط للتخلص من الحكم الوطني القومي بزعامة جمال عبد الناصر بلغت ذروة نجاحها من خلال حرب 1967 التي أثبتت تفوق السلاح الأمريكي تفوقاً كاسحاً على السلاح السوفيتي ، وأحس الأمريكيون أن حليفتهم الرئيسية في المنطقة إسرائيل وسلاحهم المتفوق كَمْاً ونوعاً قد حقق لهم سيطرة شبه كاملة على مقادير تلك المنطقة الشديدة الأهمية موقعاً وثروة. 
* ولكن الصمود المصري الأسطوري خلال حرب الاستنزاف [67 / 1970] ثم مفاجأة حرب أكتوبر التي انتصر فيها المصريون بسلاحهم السوفيتي انتصاراً ساحقاً على الإسرائيليين بسلاحهم الأمريكي رغم جسر الإمداد بأحدث الأسلحة المتطورة لإسرائيل في أيام الحرب أذهل العالم وأذهل مراكز البحوث العسكرية والسياسية في الولايات المتحدة خاصة ، وقد سمح الرئيس السادات من خلال وبعد مفاوضات الفصل بين القوات للجنة الأمن القومي والدفاع بالكونجرس الأمريكي بالحضور إلى مصر في أواخر يناير 1974 وبأن تحاور القادة العسكريين لكي تعلم كيف صنع المصريون معجزة التفوق على السلاح الأمريكي المتطور بأسلحة تقل عنه كثيراً في الكفاءة ، وسجلت اللجنة الكثير من الأسباب مثل رخص أسعار السلاح السوفيتي التي كفلت للمصريين استخدامه بكثافة عالية ، وكثافة حائط الصواريخ المضاد للطائرات وتقارب قواعده ولكنهم اضطروا إلى الاعتراف الواضح في أكثر من فقرة من تقريرهم عن حرب أكتوبر 1973 بالكفاءة الممتازة للجندي المصري والفكر العسكري المبدع للقادة والضباط والإنجاز الأسطوري للشعب والإنسان المصري الذي بنى قواعد الصواريخ تحت القصف الإسرائيلي سنة 1970 والعمال والفلاحون الذي دعموا اقتصاد الحرب ووقفوا خلف قواتهم المسلحة يدعمونها بالجهد والعرق والفكر والفن والابتكار والإبداع حتى حققوا نصرا فاجأ العالم وأذهله.
واليوم ، يعيد الرئيس أوباما أخطاء السياسة الأمريكية في الخمسينيات مرة أخرى فقد كان انحياز الجيش المصري لثورة الشعب في 30 يونيو ، 3 يوليو 2013 مدمراً للمشروع الأمريكي لتفتيت المنطقة كما كان موقفها في الخمسينيات مدمراً لسياسة الأحلاف العسكرية الأمريكية وبدلاً من أن تتفهم السياسة الأمريكية دروس التاريخ وتعرف أنها تواجه شعباً عريقاً صنع الحضارة وعلم البشرية تعيد بنفس الغباء القديم سياسة العقاب التي استخدمتها حين رفضت تمويل السد العالي وحين دبرت ودعمت عدوان 1967 ، ولم تجن من هذه السياسة إلا سقوط المكانة وانهيار النفوذ وكراهية الشعوب وفي هذه المرة لن تغفر مصر لأمريكا موقفها الغبي وستكون خساراتها لنفوذها في المنطقة فصل النهاية لسياسة لا تأخذ العبرة من دروس التاريخ.

هيام محي الدين – كاتبة وصحافية مصرية 

رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.