الكاتب :جمال عبد الدين المرزوقي
إن وعينا بأهمية إبراز مظاهر وأشكال التعدد والتنوع اللغويين في لهجة زرهون ، هدانا إلى تبني نظرات في المسألة اللغوية بعيدا عن الأحكام الجاهزة المغرضة . وعليه فسنتناول المسألة اللغوية في إطار علاقة المجتمع الزرهوني بلهجته من حيث الاعتزاز بها كمكون أساسي من هويته ووجوده الحضاري العريق وهنا نستحضر علاقته باللغة العربية المعيار والأمازيغية الأوربية اللهجة الأصلية بالمنطقة ، أما الأمازيغيات الوافدة من شمال المغرب على إثر التنكيل الإسباني بمغاربة الريف بعد حرب أنوال الأولى والثانية وكان قد تكبد فيهما خسائر فادحة في الأرواح والعتاد ، ناهيكم عن اللهجة الجبلية الوحيدة بالمنطقة وتمثلها قبيلة بني بوشبت وتابرانت بمدشر “القوار” ، أما الأمازيغية التي تنتمي إلى مقدمة جبال الأطلس الوحيدة بمنطقة زرهون فتمثلها قبيلة آيت احساين الكروانية .
إن تعايش الأمازيغية الأوربية المحلية والأمازيغيات الوافدة على المنطقة وكذا اللهجة الجبلية راجع بالأساس إلى عملية التعريب التي عززت موقع اللغة العربية بالمنطقة بإيعاز من العامل الديني المتمثل في الإسلام السني الوسطي المالكي ، ومقاومة المد الاستعماري الفرنسي الذي فشل في احتواء المجتمع الزرهوني وتدجينه ، مما يثبت أن التعايش الثقافي اللهجي كان وما زال واقعا لا يقبل التشكيك ، رغم ظهور بعض الأصوات النشاز بين الفينة والأخرى لإثارة نعرات التفرقة بين العنصر العربي والعناصر الأمازيغية على اختلافها بالمنطقة، وهم في ذلك يخدمون من حيث لا يدرون التصورات الاستعمارية التي برزت مع الظهير البربري سنة 1932م لتكرس وضعا لغويا فوقيا يتنافى وخصوصية المنطقة التي كانت قد عرفت اندماجا لغويا متماسكا لا يقبل التفرقة بين مكوناته الاجتماعية ، وأن حركة الاندماج اللغوي تأسست عليها حركة الاندماج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بكل مكوناته .
وهكذا نتبين أن المسألة اللغوية لعبت دورا هاما في تكريس الوحدة الثقافية واللحمة الحضارية بمنطقة زرهون وباقي مناطق المغرب بالأمس كما أنها قادرة اليوم على أن تكون رافعة أساسية لتحقيق الاندماج الثقافي والخصوصية الحضارية المحلية ، وهي قاعدة صلبة للتكامل الاقتصادي والتنموي محليا وإقليميا بجهة فاس -مكناس ، شريطة أن تؤخذ المسألة اللغوية كأرضية حقيقية للاندماج الثقافي الحضاري بالجهة.
-جمال عبد الدين المرزوقي – كاتب مغربي
المصدر: قناة العرب تيفي
