الكاتب المغربي الحبيب ناصري : حول الندوة الوطنية للمسرح والجامعة

العرب تيفي
24 ساعةكتاب العرب
31 مارس 2022112 مشاهدة
الكاتب المغربي الحبيب ناصري : حول الندوة الوطنية للمسرح والجامعة
الكاتب : الحبيب ناصري
NASRI PETIT ALARABETV - العرب تيفي Al Arabe TV
من الصعب اليوم، ربح أي رهان من رهانات تطوير الجامعة المغربية، بل ومنظومة التربية والتكوين والبحث ككل، بمعزل عن أن يجد الفن مكانه الطبيعي داخل منظومة التعليم بشكل عام، وفي كل مراحلها، بدءا من مرحلة التعليم الأولي وإلى آخر مرحلة من التعلم. الفن (مسرح، سينما، تشكيل، فوتوغرافيا…) ليس مجرد ترف، أو عمل إضافي، كما يوهمنا البعض، بل هو فكر وبه يبنى الإنسان وعلم به نطور مجتمعنا وننخرط في تحديثه وتطويره وجعله يحتل مكانة تحت الشمس، في عولمة لا ترحم. قيمة الدول، تتحدد في طبيعة الفن وكيفية حضوره في المنهاج الدراسي والتكويني والبحثي، بل وفي كيفية نجاحها في تحويله إلى صناعة مدرة للدخل والقيم والجمال.
المسرح، وعبر التاريخ، كان دوما حاجة وضرورة لبناء الإنسان. من الصعب اليوم، بناء المغربي بمعزل عن نشر ثقافة المسرح، نشرا واعيا وتذوقيا. بل من مستحيل المستحيلات تنزيل القانون الإطار 51.17 ومهما وفرنا له من تمويل، خارج شرط المسرح والسينما، الخ، أي خارج شرط الفنون، وليس كأنشطة موازية، بل كاهتمام تعليمي وتعلمي وعلمي وتكويني وبحثي.
التفكير في المسرح وكيفية تدريسه والبحث فيه، الخ، داخل الجامعة المغربية، كان موضوع ندوة علمية، نظمها مختبر تكامل المعارف التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة المحمدية بالمغرب، وهو المختبرالذي يرأسه الدكتور مولاي أحمد توبة.
ندوة كانت بتاريخ 30 مارس (البارحة) برحاب هذه الكلية. وقد نسق أشغال الندوة الأساتذة (أحمد توبة وعبد المجيد شكير وعمر الرويضي)، وكانت لجنتها المنظمة قد تكونت من (ذ أحمد آيت موسى (نائب العميد)، وذ أحمد توبة منسق فريق البحث المعنون ب : آداب وفنون، والأستاذة نعيمة التوكاني والأستاذ حسن الأعرج والأستاذ عبد الرحمن أكيدر والسيدة نعيمة لعنايت).
طبعا هذه الندوة تأتي في سياق احتفال العالم بيومه المسرحي، وتندرج في الوقت نفسه ضمن التفكير الهادئ، من أجل تطوير الدرس الجامعي المغربي وفق معايير بحثية وعلمية تحاول الجمع بين حاجيات سوق الشغل وفي الوقت نفسه التفكير في إعداد خلف من الباحثين الجامعيين المغاربة، لاسيما والجامعة المغربية مقبلة على تقاعد العديد من المختصين في هذا المجال وغيره.
ندوة علمية، شاركت فيها أسماء مغربية عديدة من مؤسسات علمية وتكوينية (الأستاذ عبد الرحمن بنزيدان من كلية الآداب بمكناس والأستاذ محمد صبري من كلية الآداب بالجديدة والأستاذ عبد المجيد شكير من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالدار البيضاء والأستاذ ابن السيد رشيد من كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بالقنيطرة والأستاذ منير السرحاني من كلية الآداب المحمدية والأستاذ الحبيب ناصري من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالدار البيضاء والأستاذ عمر الرويضي من المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بالدار البيضاء والأستاذ هشام بن الهاشمي من كلية اللغات والآداب والفنون بالقنيطرة والأستاذ أحمد توبة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية والأستاذة أمل بنويس والأستاذ عبدو المسناوي من المعهد العالي لمهن السينما والسمعي البصري بالرباط والأستاذ عبد الرحمن إكيدر من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية والأستاذة إلهام المجدوبي من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية).
هذه الندوة التي ترأس قص شريط افتتاحها عميد كلية الآداب والمحمدية الدكتور عبد الحميد ابن الفاروق، وبكلمة أخرى لنائب مدير المختبر المنظم الأستاذ ازريزي وبكلمة عن اللجنة المنظمة ألقاها الأستاذ عبد المجيد شكير، تميزت بحضور وازن وطرحت فيه أوراق علمية مختلفة ومتنوعة، كانت بمثابة أودية صبت في نهر كبير يجمع مياهه ليسقي بها العديد من العطشى.
كيف من الممكن تطوير الدرس المسرحي الأكاديمي، في ظل اكراهات سوق الشغل وفي ظل مجتمع له العديد من الانتظارات، بل وفي ظل منظومة تربوية، لازالت أسيرة التلقين وتقويم المعلومة الملقنة وفي ظل منظومة تحضر فيها الفنون، ومن موقع، مفصول عن بناء التعلمات، وهو ما رسخ في عقلية غالبية الأجيال والعائلات، الخ، أن المسرح، مجرد “نشاط” خارجي، وليس وسيلة للتعلم والتكوين والبحث وبناء الإنسان/المجتمع ككل، وهو ما أرخى بظلاله على الجامعة المغربية التي وجدت نفسها في “ورطة” بين ضرورة تقديمه وفق معايير علمية وفي الوقت نفسه، عليها أن تستجيب لحاجيات الشغل، لاسيما وأن قولا من قبيل أريد التخصص في الدراسات المسرحية لرب الأسرة سيجابهك بجواب من قبيل”سير تقرا بعدا”. رد كهذا، هو خلاصة ما حفرته منظومتنا التربوية في العديد من الأجيال، بل ولعمري إن التخصص في المسرح وتعميق الدراسة فيه من الممكن أن يفضي إلى الجمع بين الحصول على موقع علمي متميز في المجتمع، وأيضا من الممكن أن يشتغل، من تخصص فيه، في العديد من المواقع العمومية والخاصة، والأكثر من هذا أنه سيربح جسده وعقله وقلبه وروحه، في عولمة تبضع الحياة في علب للبيع لبيعها بالتقسيط.
أوراق علمية مفيدة قدمت، خلال هذه الندوة، التي تسجل في دفتر كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالمحمدية، والتي وبكل صدق، تتميز بأطقم إدارية وتربوية نوعية مجندة لخدمة طلبتها وتوفير ظروف علمية مناسبة للتكوين والدراسة والبحث، وهو ما لامسته شخصيا وعن كتب في أساتذتها وعميدها وبقية مكوناتها الإدارية والتربوية، ومن خلال هذه الندوة.
من الصعب اليوم، لاسيما وفي ظل هذه التحولات التي تقع في العالم، أن تبقى الفنون على الهامش، بل لابد من تثمينها بالمعرفة والعلم والتكوين والتفكير فيها وفي كيفية تطويرها. المسرح توأم السينما، هما معا يقدمان فرجة جميلة، من هنا وجب التفكير فيهما وفي كيفية جعلهما في صلب اهتمام الجميع، بل، إن التكوين العلمي فيهما من الممكن أن يساهما في ربح أجيال غير تلك التي وسمها الراحل محمد جسوس بجيل الضباع. المسرح يحصن الفرد والمجتمع، ككل، من كل انفلات، بل يجعل من شم رائحة الركح وأتربته المتصاعدة وتلبس بإنارته ونصه، وتماهى مع جمالياته المبحوث عنها في ثنايا العمل، إنسانا غير الذي نراه “يتبول” على السور التاريخي، وهو بهذا يتبول على ذاكرته، مما يجعل من عبارة “ممنوع البول ورمي الأزبال” المكتوبة على هذا السور التاريخي العظيم الذي بني برائحة الأجداد، فرصة لنحاكم فيها تعلماتنا برمتها، بل من فعل ذلك لم يسبق له أن كان مسرحيا، ولا رافق مسرحيا، ولا شاهد مسرحية، ولا قرأها، ولا اقتنى تذكرة لمشاهدة مسرحية أو فيلم ما، بل إنه غير عارف لمسرحية الحراز، ولا لمن شارك فيها، ولا قلب له ليترك نغمة بوجميع رحمه الله تفعل فعلها فيه. هو كائن من عالم آخر، وهو ما يستدعي التفكير فعلا في تعميم المسرح على القرى والمدن، إن نحن فعلا أردنا الخروج من منطقة الظل التي ترتبنا فيها التقارير الوطنية والدولية.
وفق ما سبق تأتي أهمية التدريس الجامعي للمسرح سواء كتخصصات مستقلة أو كمجزوءات حاضرة في تخصصات أدبية أو علمية أو قانوينية، الخ. وهو ما ينبغي التفكير فيه، مستقبلا، أي التفكير في كيفية ادماج المسرح بشكل خاص، والفنون بشكل عام، في كافة التخصصات والكليات والمعاهد، حتى ولو كانت معاهد تقنية محضة، إن نحن فعلا أردنا بناء مواطن معتز بقيمه الوطنية والدينية المعتدلة والكونية ككل. بل هنا سنربح مواطنا مداعبا للجمال وعاشقا له ومدافعا عنه وباحثا ومتلمسا له في حياته العائلية والمجتمعية، طاردا عنه كل أشكال القبح. المسرح، إذن، تربية على القيم والجمال والعشق.
للتذكير، سيتم تجميع كافة الأوراق العلمية المقدمة، خلال هذه الندوة الوطنية العليمة، في كتاب علمي جماعي محكم ضمن منشورات مختبر التكامل المعرفي.
د.الحبيب ناصري – كاتب مغربي
المصدر: قناة العرب تيفي
رابط مختصر

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.