الكاتب و الأديب المغربي عبد السلام الزروالي يكتب : رب ضارة نافعة

قناة العرب تيفي

9 يونيو 2020139 مشاهدة
الكاتب و الأديب المغربي عبد السلام الزروالي يكتب : رب ضارة نافعة
رابط مختصر

قناة العرب تيفي
الرباط – العرب تيفي – ما لا يمكن تجاهلة في خضم هذه المعركة غير المتكافئة التي هزت أركان أقوى البلدان، هو أن الجائحة المرعبة تجلت في طياتها سيلا من الإيجابيات، حيث ساهمت في تعزيز الروابط الأسرية، و إعادتها الثقة بين المجتمع المغربي و فعالياته و مؤسسات الدولة، وإحياء قيم التضامن و التآزر و التكافل عبر إطلاق عدد من المبادرات الشعبية و الرسمية، سواء منها الفردية أو الجماعية، و في مقدمتها المبادرة الملكية السامية المتمثلة في إحداث صندوق مواجهة تداعيات كورونا الصحية
و الإقتصادية و الإجتماعية، مما استرعى انتباه الرأي العام الدولي، و خلق صدى طيبا في وسائل الإعلام الدولية.
كما أن هذا الوباء فتح أعيننا على الكثير من عيوبنا و اختلالاتنا، دون أن يغفل الكشف عن مكامن قوتنا الكاملة في التلاحم و وحدة الصف، و ما يملكه شبابنا من قدرات عالية في الخلق و الإبتكار.
و قد مكنت هذه الجائحة من الوقوف على هشاشة القطاع الصحي في الكثير من البلدان، أعطتنا فرصة مراجعة أنفسنا، و الغوص في أعماقها، و جعلنا ندرك حقيقة حجمنا في الكون، و مدى ضعفنا أمام بعض الأمراض و الأوبئة، إذ لولا ظهور هذا الوباء العابر للقارات، ما كنا لنلتفت إلى منظومتنا الصحية، و نهرع إلى دعم بنياتها التحتية و تعزيز تجهيزاتها، و لـما اكتشفنا كفاءة أطبائنا و ممرضينا، و لا أولينا اهتماما بالبحث العلمي، باعتباره حاجة إنسانية ملحة، و ليس ترفا، أو نجدد النقاش حول هجرة الأدمغة، ثم كيف لا نشكر كورونا و قد ارغمتنا على التوقف مليا عن اللُّهات خلف توافه الأمور و صالحت الكثيرين منا مع عاداتهم و أنشطتهم القديمة، من قراءة و تأمل و رسم و رياضة في ظل الحجر الصحي، فضلا عن أنها قادت أعدادا غفيرة إلى التخلي عن بعض الممارسات السيئة، و ساهمت في مضاعفة اهتماماتنا اليومية بالنظافة و التطهير، و في انخفاض معدلات الجريمة و العنف و السرقة و الحد من حوادث السير.
و أخيرا كشفت الجائحة في ذات الوقت عن زيف و انتهازية بعض الأشخاص و المؤسسات، و عرت واقع الفقر و الأمية
و التفاوتات المجالية و الإجتماعية، وتدني مستوى الخدمات الإجتماعية، و ضعف السياسة العامة.
فهل سيستخلص أصحاب القرار و مدبروا الشأن العام العبرة و يعجلون بتدارك النقائص القائمة،
و مباشرة الإصلاحات المؤجلة ؟
الأزمات لا تعني النهاية، و الموت المؤلم ليس سوى تحقق بديهي داخل سلسلة من التحققات الطبيعية التي يحفل بها هذا الكون، و استمرار الكون لا يقف عند نموذج إنساني دون الآخر، بل هو رهين باستمرارية الإنسان في بلورة إنسانيته، سواء تعلق الأمر بالخير كفعل مطلق يضم كل ممكنات المساعدة و الإحسان، أو تفرع هذا المفهوم إلى تحققات مشتركة تضمن للإنسان تطعيم حيوا نيته بالجوهر الإنساني، و هو جوهر تبان بين فترات الحروب و السلام.
خلاصة القول : لنضع أقدارنا و أيامنا في يد الطبيعة الرؤوم، يد العلم الحلوم، يد الآتي القادم المأمول،
و يد الله العليا في الأول و الأخير، و لنقل بصوت واحد: ما أعظم اللامرئي و لو كان فيروسا و حشرة دقيقة تدب أمامنا،
و لا نراها، و ما أبأس و أضعف الإنسان و الموجود و لو كان ضخما مرئيا.
عبـد السـلام الزروالي الحائكـي
المصدرقناة العرب تيفي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.