مهرجان كان السينمائي : “بينيديتا”… عندما يكون الحب المثلي الشهواني هو الطريق الموصل للرب

11 يوليو 202188 مشاهدة
مهرجان كان السينمائي : “بينيديتا”… عندما يكون الحب المثلي الشهواني هو الطريق الموصل للرب
رابط مختصر
قناة العرب تيفي
belaghrib web - العرب تيفي Al Arabe TV قناة العرب تيفي : كان – فرنسا : على شاشة المسرح الكبير في مدينة كان، عرض المخرج الهولندي المثير للجدل بول فيرهوفن تحفته الجديدة، القائمة على قصة حقيقية، “بينيدتا” التي كان الجميع بانتظارها في النسخة الرابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي. فيلم تملك المشاهدين وأجبرهم على التصفيق بحرارة عند انتهاء العرض. يغزو بول فيرهوفن في “بنيديتا” الكثير من المناطق المحرمة التي ستصب عليه جام غضب الكثيرين. وفق قناة فرانس 24.
مستندا إلى وقائع حقيقية، بنى المخرج الهولندي بول فيرهوفن بناء فيلمه الجديد في مهرجان كان السينمائي وعمارته كليا على حياة الراهبة الإيطالية بنيديتا كارليني التي توفيت عام 1661 في بيشا بمقاطعة توسكانيا. قبل 1980 كانت تفاصيل قصة حياة تلك الراهبة، بنيديتا، غامضة حتى أزاحت عنها المؤرخة الأمريكية جوديث براون غبار القرون المتتالية باكتشافها ملف محاكمتها في مدينة فلورنسا التاريخية.
يدخل بنا فيرهوفن بفيلمه “بنيديتا” في مناطق محرمة تخلط الواقع بالخيال والمقدس بالدنس، ويسير ونحن وراءه على حبل بسمك شعرة بتوازن يحسد عليه فلا يجعلنا ندري أين الواقع وأين الخيال في زمن تملؤه الاضطرابات الدينية ويجتاحه الطاعون الأسود. في بعض اللحظات يقنع فيرهوفن المشاهد بأن بنديتا كارليني قديسة، وفي لحظات أخرى يجعله يدرك إنها ليست إلا كاذبة مدعية.
فالفتاة الصغيرة بنيديتا كارليني التي وهبها أهلها الأثرياء منذ صغرها للدير، تظهر منذ نعومة أظفارها سمات القداسة المبكرة التي تحير عقول من حولها. فالفيلم يبدأ بمشهد الموكب العائلي المتجه لمدينة بيشا لتسليم الفتاة إلى الدير، فيخرج عليهم مجموعة من قطاع الطرق بعد أن توقفوا للصلاة أمام تمثال ريفي للعذراء. يسرق اللصوص قلادة أمها الذهبية فتصرخ في وجهه محذرة بأنه سيناله عقاب شديد من العذراء التي تستجيب لكل دعوات الفتاة الصغيرة، وحين يستهزئ بها اللص تهب ريح شديدة وتخرج حمامة من شجرة مجاورة وتتبرز على عينيه. فيؤمن اللصوص أنها مقدسة ويعيدون القلادة لأمها.
تصل الفتاة الصغيرة للدير، الذي يدفع له والدها أموالا طائلة ليقبل بها في خدمته، وفي الليلة الأولى لها لا تستطيع النوم قبل الصلاة أمام تمثال العذراء في ردهة الدير، وأثناء الصلاة يتحرك التمثال الماثل قبالتها ليقع بثقله الهائل عليها ولكن لحسن حظها يتوقف قبل أن يسحقها أو حتى يمسها.
أظهرت إذن بنيديتا منذ صغرها مجموعة من الكرامات ربما جعلتها هي نفسها تصدق أنها قديسة وأنها باتت زوجة المسيح حرفيا. ولتأكيد اعتقادها، كانت تنتابها رؤى كثيرة يظهر فيها المسيح ليقتل أعداءها من الشياطين والثعابين ويخبرها بأنها زوجته.

-المسيح… ذكر أم أنثى؟

تستمر بنيديتا (الممثلة البلجيكية فيرجيني إيفيرا) في إظهار كرامتها حتى تأتي الفتاة برتولوميا ذات الروح البرية التي لا تعرف حدودا، فهي ابنة راعي غنم وقضت جل حياتها في البرية. تصبح بنيديتا مسؤولة عنها وعن تعليمها وتبدأ اللمسات الجسدية البريئة غير المقصودة في أول الأمر ثم تتطور لقبلات حارة من جانب برتولوميا. تقاوم بنيديتا تلك المشاعر التي تنتابها للمرة الأولى في حياتها وتظن أن تلك الفتاة شيطان أرسل إليها ليحيد بها عن طريق الرب، فتقع صريعة المريض حتى يظهر لها المسيح على الصليب ويطلب منها أن تقترب منه وتضع جسدها على جسده ويأمرها أن تنزع عنه مئزره. ويالهول ما رأت بنيديتا… أعضاء المسيح الجنسية ليست ذكورية على الإطلاق بل كانت أنثوية. يتلاقى الجسدان وينطبقان على بعضهما البعض وهنا تخر بنيديتا صريعة على الأرض وتغطي الدماء يديها وقدميها. تخرج بنيديتا إلى رفيقاتها الراهبات أثناء صلاتهن مظهرة علامات الستيغماتا على أطرافها (الستيغماتا: علامات جسدية تظهر في مواضع جروح المسيح أثناء صلبه – أسرة التحرير).

-مهرجان كان السينمائي: “ومن الحب ما قتل”… “أنيت” في ملحمة موسيقية غنائية عن الحب والحياة والموت

لا تظهر الأم مديرة الدير أية حماسة لتصديق بنيديتا بل وتجادلها بأن رؤيتها للمسيح لا يمكن أن تصنع بها تلك العلامات؛ فرؤية المسيح تعني الراحة والسلام والسكينة لا الجروح والدماء. لكنها ترضخ للأمر عندما تتحدث بنيديتا بصوت ذكوري جهوري يعد الجميع بسوء المصير كما ولو كان المسيح نفسه هو من يتكلم.
إثر ذلك تعين السلطات الكنسية بنيديتا مديرة للدير في محل الأم التي تقوم بدورها الممثلة القديرة شارلوت رامبلينغ. تتخذ بنيديتا الفتاة بارتولوميا رفيقة لها في الغرفة المخصصة لها، وهنا تنفجر الشهوة والحب والاستكشاف لما وراء اللذة التي تتحقق ليس بالتلامس الجسدي بين الفتاتين اللتين تمارسان الحب فقط بل وحتى بتمثال العذراء الخشبي التي شذبته برتولوميا ليمثل العضو الذكري الذي يهب بنيديتا اللذة كاملة ويجعلها تصل إلى النشوة المطلقة. وهكذا تؤمن بنيديتا أنها تحقق مشيئة الرب وأن هذا هو الطريق الصحيح إليه وإلى ملكوته.
يتركنا المخرج الكبير بول فيرهوفن في حيرة من أمرنا، ففي زمن الطاعون الأسود الذي قتل ثلثي سكان أوروبا في القرنين السادس والسابع عشر واجتاح كل أركان القارة ناشرا الموت في كل مكان، تقدم الفتاة القديسة وعدا لسكان بيشا بأن الطاعون لن يقرب مدينتهم وأن الرب يحميهم. بالطبع لا يصدقها أحد من رفيقاتها ولا رئيسة الدير السابقة التي تشي بها للكنيسة في فلورونسا بصفتها مجدفة، فتقيم لها الكنيسة محاكمة كبيرة وتنتزع اعترافات برتولوميا تحت التعذيب، فيحكم ممثل البابا على بنيديتا بالموت حرقا.
بالطبع لا تموت بنيديتا بل تظهر عليها الستيغماتا من جديد أثناء تنفيذ الحكم بها وهو ما يثير الجماهير غضبا ضد السلطات الكنسية وتنقذ بنيديتا من أيدي جلاديها بل وتقتل الجماهير الغاضبة ممثل البابا الذي يتضح أنه مصاب بالطاعون، وليس وحده هو المصاب به بل أيضا الأم الرئيسة الواشية كما لوكان ذلك عقابا إلهيا أنزله الرب على أولئك الذين لم يستطيعوا فهم مشيئته.
ومن مفارقة القدر، يتحقق وعد بنيديتا وتضحى بيشا المدينة الإيطالية الوحيدة في توسكانيا التي لا يدخلها الطاعون الأسود.
المصدر: قناة العرب تيفي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.