د بوعلي الغزيوي يكتب : تراجيديا كورونا من منظور سوسيولوجي

قناة العرب تيفي

29 يوليو 2020228 مشاهدة
د بوعلي الغزيوي يكتب : تراجيديا كورونا من منظور سوسيولوجي
رابط مختصر

بوعلي الغزيوي
(قناة العرب تيفي) – نشأ علم الاجتماع في خضم الصراعات التي عمت القارة الأوروبية وأدت إلى قيام ثورات بورجوازية ديمقراطية خلال ق 18 – 19 وقد جسدت الثورة الفرنسية هذا الصراع الاجتماعي، مظهرة القوى المتصارعة وبالتالي أصبح واضحا أن هذه المجتمعات الرأسمالية يتجاذبها بعدان:
1) طبقة بورجوازية التي هيمنت على السلطة. والاقتصاد من أجل ضمان سيرورة هذا النظام الرأسمالي.
2) فئة التي ثورت هذه التورة ضد الإقطاع، والكنيسة، وكان هدفها تحقيق العدالة الاجتماعية، ونشر الحرية. ولكن تبخر كل شيء، فأصبح الرأسمالي يستغل العامل، والفلاح، وانتشر الفقر، وزادت حدة التفاوت الطبقي، هذا فضلا عند فقدان العمال، والموظفين إطارهم الوظيفي، والاجتماعي، مما شكل مشاكل نفسية واجتماعية، هكذا أصبحت مشكلات العالم اليوم في حاجة الى إعادة النظر في هذا الكون، والإنسان، وقد تبلورت مجموعة من العوامل قصد بناء الإنسان، فهذه الإسهامات تطرح عدة تساؤلات مختلفة حول هذه الصراعات القارية، وقد تبلورت في اتجاهين: اتجاه يرى إذا أعطي للإنسان كل ما يريد سينتهي العمل، والقوة، والفكر والصراع، ويسعى الاتجاه الرجعي بالعودة إلى الماضي وسن قوانينه، واتجاه التقدمي يريد أن يلائم بين التقدم والنظام، وفرض سلطة الرأسمالي كما يرى (أو غست كانط).
أما الاتجاه الريديكالي فيرى في هاذين الاتجاهين رؤية استغلالية لا تحقق العدالة ولا المساواة بل ينبغي القضاء على هذا الفكر المتسلط، وإلغاء سلطة الملكية الخاصة، كما صاغها كارل ماركس.ورغم هذا الطرح المادي الجدلي، فإن الفكر البورجوازي يمتلك تقنيات تجذب المفكرين من أجل تزكية طرحهم، كسبنسر وماكس فيبر.
فعملوا على محاربة الفكر المضاد أو المركب كما يقول ادكار موران. هكذا أمسى الباحث الاجتماعي يعيش التناقض بين ما هو ثابت، وما هو متحول، وعبرها ولدت عدة تيارات كالمثالية، والماركسية، والوجودية، والوظيفية، والتفاعلية الرمزية، والانعكاسية، فعلمت هذه التيارات في إحداث قطائع بالمفهوم (باشلار) مع الماضي سواء في مفاهيمه التنظيرية، أو في إجرائيته التجريبية، وأمام هذا الوضع ظهر في العالم العربي عدة اتجاهات، كاتجاه التراثي واتجاه عقلاني، واتجاه تاريخي، أو اتجاه إسلامي اجتماعي (وهذا التنوع لم يستطيع أن يتخلص من الإيديولوجيا ومن النزعة المحربوية، والذاتية، لذا ارتأيت أن أعيد الطرح في ضوء هذه الجائحة التي أصابت كل القارات، من أجل عرض نقدي، يهدف إلى الكشف عن موقع العالم العربي في ضوء هذا التسابق العلمي، والمعرفي، لأنني لا يمكن أن أستقرئ هذه النماذج دونه معرفة الظروف الاجتماعية، والسياسية والفكرية المحيطة بنا، ولا يعني ذلك أن العالم العربي لا يشكل فكرا، ولكن يعني أن هناك تلاقح، وجدلية بين كل هذه القارات، فكل واحدة تصوغ فكرها وجنسها حسب الضرورة المتاحة، لذا فالمراجعة تعني لنا الأهمية العلمية والفكرية نظرا إلى راهنيتها، لأن علاقة الجائحة بالعالم، حظي باهتمام بالغ من طرف العلماء، والمختبرات المرتبطة بالجامعات، العالمية الأجنبية أسئلة تبحث عن بدائل لتتخذ لنفسها الصفة العلمية كإطار مرجعي علمي يضاهي المرجعيات العالمية، لكن هذه الأهمية لاغنى عنها في توجيه الوقائع المرتبطة بالجائحة، التي من المفروض أن ندرسها سوسيولوجيا وانتربولوجيا، وتاريخيا، ونفسيا، وأدبيا، من أجل تمكين الباحث الغوص في النظريات، ومقوماتها دون أن تجعل وعيه وعيا زائفا أو إيديولوجيا مرتزقا. إن إعادة النظر في واقعنا العربي بنظام مناهج المعرفة، كونها تمثل إحدى الأبواب التي تسمح لنا بالوقوف على هذه الانكسارات، والصراعات والتطورات، والتعديلات سواء من زاوية مثالية أو من زاوية جدلية. مع الحرص على تحديد الخصائص التي تجعلنا ندرك ماهيتنا، وكينونتنا لأن التعرف عن حركة تاريخ الحرب المعاصر، الذي ينهض على الصراع والخداع من أجل تحقيق مصالح ذاتية، والكشف عن التأثير الذي تمارسه الهيمنة الغربية، لأن هذا العمل يمثل حصيلة اهتمام الباحثين عموما نظرا لما يتطلبه الموضوع من نضج فكري وحفر أركيولوجي لكي نعرف ما هي الأمراض التي تقتل هذه المناعة التي نحملها وكيف نرقى إلى مستوى تطلعات شعوبنا، فهذا التعدد والتشابك يرتبط بمدخل معرفي سلطوي كما حدد عند (فوكو)، لأنه يتخذ القوة كموجه في الوصف والتحليل، إذن هذا المنظور كما قلت هو الذي سلط الضوء ما أمكن لماذا التخلف، وهل المعتقد هو الذي يحدد هذه الأفكار التي تتداولها؟ لماذا تقدم الغرب وتأخر الغرب؟ فهذه المنظومة الفكرية التي طرحت في عصر النهضة لازالت ترن في أذاننا المعاصرة لأنها تشغل هذا الفراغ فأصبح نزعة تفكير ميتافيزيقي، ويقول دوتراسي “إن كل معرفة تنبني على الاعتقاد والإيمان، لأن علل المعرفة من وجهته لا تعود إلى القصور العقلي، ولكن إلى قصور في منهج التفكير الإنساني، فالعقل ينبغي له أن يتغلب على الخرافات والأساطير، وأن هذه المعرفة ينبغي أن تتأسس وفق رؤية تفكيرية سليمة، لأن علم الأفكار هو العلم الأولي الذي يوجه كل المعارف والعلوم، إذن فالايديولوجيا هي نظرية النظريات العامة” .
فهذه الخاصية الأساسية من الكلام الداخلي لهذا المؤلف، هي الطريقة التي تتألف بها معاني الواقع وتتحد وهي عملية تضبطها قواعد العقل والفكر، وهي ضروب وتراكيب دلالية، وعندما نلاحظ هذه القوانين والطرائف الفريدة المتمركزة حول الذات، فنحن نطلق عليها مصطلح تدفق التأويلات، لأن كل هذه التأويلات تبدع عناوين حول العالم العربي، ودوره العلمي وحول دور الأثر النفسي الذي تركه كورونا، وكذا الاجتماعي، فكورونا عمل على تعرية الواقع لأنه يهدف الكشف عن القوى الاجتماعية التي أثرت في الواقع السياسي، وكذا بروز هوامش الضاربة بجذورها في المراكز، منطلقا في ذلك من مسلمة مؤداها، أي ضرب من طرف هذه الجائحة ما هو إلا انعكاس لمجموعة من القوى الاجتماعية المهمشة والمحيطة به، وهذا يعني أن الواقع هو الذي يحدد الفكر، (ماركس)، لكن واقعنا لا يصوغ الفكر، ولكنه يئن تحت الاخطبوط الثلاثي (الجهل – الأمية – التخلف).
لهذا أحدث هذا الوعي الكارثي ما يمكن اعتباره هزة معرفية وتعسفية في الممارسة الحياتية اليومية، بناء أيضا على المبدأ ما بعد القاتل بنسبية الأفكار، وعودة الميتافيزيقيا وفسح المجال أمام التجريب العلمي، والأسطوري، ذي غايات تأصيلية في إطار ثنائيات مضادة للأنا/والآخر، لذا أمكن الفعل السوسيولوجي والنفسي، والأخلاقي أنه يحقق مكاسب في معركة (الجائحة) على المستوى الأسري، والديني، والأخلاقي، وأتاح أيضا للفعالية الفكرية والمعرفية أنه يؤسس لمفهوم – ما بعد – ليستمد مشروعيته من قوة النقد المضاعف والتفكيك، ومن فعالية محاسبة الذات أمام هذه الجائحة، فإن الخطاب السوسيولوجي لئن تخطى عتبة الذات الوظيفية والتفاعلية الرمزية كما حددتها مدرسة (شيكاكو) جورج زيمل، وكوفمان، فما بعد لن يكتمل إلا بالتأسيس لرؤية نقدية جدرية ذي مرجعيات بها يكتمل الإنسان تحرره من الاغتراب، والأحزان لأن هذه الإشارة لكل هذه المستويات القياسية، تحيلنا بأن نلعب أدوار ووظائف من أجل فهم خصوصية هذا الإنسان، وكيف عاش الحجر، وتعايش مع هذه الجائحة كلها أوصاف وإمكانيات تتغير وتتحول حسب الفئات العمرية، وكذا عامل البعد الزماني لأن “طبيعة المفاهيم السوسيولوجية هي التي تملي في الواقع، على الباحث، وفي غالب الأحيان، اعتماد هذا النوع من التصنيف أو ذاك، كما أن طبيعة المواضيع التي يشتغل عليها الباحث في العلوم الاجتماعية، تجعله يصطدم بمفاهيم كيفية كثيرة، لا تمنح نفسها مباشرة للتصنيف العددي أو حتى للتصنيف الإسمي” .
فالتحديد المنهجي لأي خطاب سوسيولوجي إلا وراءه شرط منهجي يتمسك بالمفاهيم، باعتبارها أداة من أدوات الفهم والإفهام والملاحظة، والمعاينة، وإزالة الالتباس والخلط الكيفي، وحين يؤكد الباحث على أهمية تحديد المفاهيم، فذلك لا يمكن أن يكون نهائيا يستقر معه الفهم والتأويل، على أساس أن هذه العملية السوسيولوجية غير محدودة، لأن هذه المفاهيم تخضع للتأثيرات الإيديولوجية، وللمتغيرات الناتجة عن جدلية الذات، والمجتمع خصوصا حينما يتعلق الأمر بواحد من هذه المفاهيم الأكثر شيوعا “الحجر المنزلي- فهو أشد شيوعا من حيث التناول والتداول في مجالات فكرية، تحصرها السوسيولوجيا بمختلف مجالاتها، وتوصيلاتها، لدرجة اعتبرت أحدى أطروحات أشد مراسا وتعقيدا.
إن أول خطوة منهجية في سبيل تحديد أي مفهوم مرتبط بالحجر المنزلي، يتحدد في العودة إلى بنيته أولا، على اعتبار أن الوباء ما هو إلا إطار بيولوجي أنشأه الفكر عبر جدلية الوعي والواقع، لتجسيد الصفات الجوهرية والأساسية لمجموعة من الأشياء” ، فالوباء هو عبارة، عن ظاهرة اجتماعية تاريخية أي أنها ذات لها علاقة تأثير وتأثر، وبالتالي فهي خاضعة لقانون التطور، والولادة، ولمبدأ التحول عبر العصور، فأصبحت ذات بنية نسبية مرتبطة بالحيوان والإنسان بمعنى أن الوباء يعود بالضرورة كما يقول البير كامو في كتابه “الطاعون” والغريب، بمدلولات رمزية، ومع ذلك نؤكد على أن المعنى السوسيولوجي لهذا المفهوم الذي يتم اكتسابه، وتعريفه عبر عملية التجديد أولا، والمعاينة ثانية، والملاحظة، والتجريب ويظل مهما تحدثنا عنه أشد ارتباطا بالطابع المناجي والأرضي، والإنساني، حيث يحمل ملامح أصلية لذلك المعنى السلالي الذي ولد منه “وهو الحيوان/ الإنسان. وهذا التأكيد على الخلفية الوراثية يطرح نفسه طرحا إشكاليا، يعكس مدى الحذر الشديد واللامحدود الذي تعامل به الإنسان مع لفظ (الوباء) فلأكثر من تأويل، ما يزال الوباء يشمل تحديا معرفيا، وعلميا للإنسانية على الرغم من أقول تأثيره في الغرب، وفي الشرق الأدنى (العين).
فالسوسيولوجيا هي التي تتداخل مع الواقعي من أجل فهم كيف يدور ويتحول على مستوى السلوكات والأخلاق، لأنه الضرورة تقتضي ضبط العلاقة بين دينامية الفرد، والجماعة، من أجل تحديد توعية العلاقة المتبادلة بين البنية الذهنية والبنية الاجتماعية، من أجل امتلاك الرؤية التي تتجلى من خلال الفاعلية الذاتية، والرمزية، والكونية فهذه الوظيفة الرمزية والتأثيرية كما قلت لا بد أنه تعبير تساعدنا على المسك بالهامش (الفقر – البطالة – الشغل – القلق – الهلوسة – الوسواس القهري – الكبت …) كلها مفاهيم تساهم في ترسيخ لغة المراجعة لأنها تمتلك جهاز مفاهيمي جدلي، وبنيوي أو انعكاس، أو تقويمي، أو معرفي حيث تجعلنا قادرين على استيعاب خصوصية هذا التفاعل أو الإقصاء أو التهميش، أو أكثره كمكونات تجريبية وممارسة نقدية، وعلى الرغم من هذا الطرح على أهمية وضرورة ضبط المعايير التجريبية لهذه الظاهرة الوبائية التي لا تكاد تنحصر في مجالات متعددة، لأسباب أهمها، أن هذا الوباء اكتسح جميع القارات، مما جعل المجتمع يتراجع اقتصاديا وتربويا وأخلاقيا وسياسيا، وظهرت معه رؤى مختلفة، كالتمييز العنصري، والاحتجاجات، والتمردات، والاعتراف، والرفض، وهذا ما دفع العديد من الباحثين إلى إعادة النظر في هذا الوباء داخل المدن وخارجها وهذا ما نراه عهد ماكس فيبير صاحب كتاب (المدينة) حيث يؤرخ للبحث السوسيولوجي وقد عمل على دراسة المدن، مقسما إياهم إلى مدينة الملاكين، والمتقاعدين، والشكيين والصناعية وهذا كان ما بين القرن 16-17 فهو مغاير لماركس، لأن هذه الرؤية الغيرية هي خروج من المادية الاقتصادية الميتافيزيقية، لأن الغرب قد عرف قطائع وتراجعات بحسب التراجع الاقتصادي، لذا انطلق من بعدين العقلنة والشرعنة وهذا لا يتم إلا بواسطة السلطة وهذه الرؤية لا تختلف عن سلطة فوكو، وقد اتخذت السلطة عنده (ثلاثة عناصر السلطة التقليدية التي تؤمن بالسلطة وكذلك قداسة التقليد، أو السلطة الشرعية البيروقراطية فهي تعتمد العقلنة من أجل الوصول إلى الغايات المثلى، أم السلطة الكاريزماتية كما في وطننا العربي، فقد اتخذت سلطة تكون أكثر ثورية، لأنها تساعد على إنجاز غايات في زمن قصير، وهذا ما طرحه ماكس فيبر في أرغانونه حول جدليته (الواقع أو الفكر)، لذا عمل على اهتمام بالمدن الشرقية والغربية من منظور رؤية تاريخية مقارنة، وهذه المدن تختلف حسب الطابع التاريخي والحضاري، معتبر أن المدن الغربية هي أكثر تحضرا، وعقلانية، سواء على المستوى الكمي أو الكيفي فالمدينة: هي المكان، والزمن المرتبط بالإنسان، وبالجغرافية والتاريخ والذاكرة، والتقاليد، والدين والحضارة فالمدن كما قلت تختلف حسب الإنتاج والقوى الفاعلة في الاستهلاك، أو التصدير، والتوريد وهذا يؤدي إلى ظهور مدينة الأمير ومدينة الحصن.
إن كل مدينة هي حصن الملك، وللعسكر قنص تشكل المركز (كباريز، ونيويورك والربط، والقاهرة، كلها تتحول إلى خصوبة مركزية، وإلى تضامن عضوي كما يقول دوركايم، إن فيبر لا يهتم بالمدينة إلا باعتبارها مركز السلطة – دون التطرق إلى ما هو تقنوي، وما هو اجتماعي، واقتصادي، إذن نتساءل كيف يتغير مفهوم فضاء المدينة. فرغم هذا التصور الفيبري للمدينة لكنها متجاوزة، كما يرى جورج سيمل رغم هذا الاختلاف، فإن سيمل رحل مع التطويرية، والبرغمانتية، والكانطية الجديدة فسيمل في مشروعه السوسيولوجي قد تعرض لانتقادات من طرف دوركايم لأن السعي لتحديد “المدينة” هي التي جعلت فكر سيمل يعاد قراءته من طرف علماء الاجتماع، وجعله يحتل مكانة مرموقة خاصة في تصوره لبناء المدينة الغير، بالرغم من اختلاف الجنس، والعرق، الزمن، والبيئة، وهذا الاختلاف هو ما أعطى لهذه المدينة إيقاعا تاريخيا، وثقافيا، الشيء الذي سيغير منشأ، أو مسكن الإنسان، مادامت الأشياء هي من صنع الإنسان لكن شرعا ما تستقل عنه، وتؤثر فيه وعليه وهذا ما سماه سيمل “تراجيديا الثقافة فهذا التصور البرغماتي يسمح للإنسان بالتأثر بهذا الوضع الشمولي، فاتخذ طابعا استقلاليا عن الأخرين، في مواجهة القوى القانطة في المجتمع الاستهلاكي، والإرث العقائدي، والتاريخي، والتقاليدي، وهذه الغردانية هي “مواجهة قوى التسوية الاجتماعية التي تبرز في المجتمع الحضري، وتعتبر من بقايا ورواسب النظام القروي التقليدي” . لذا أكد هذا الباحث أن هذا الإنسان معرض لعواصف داخلية وخارجية، فهو مجبر على مواجهة هذه العواصف من أجل حماية نفسه وخليته بواسطة عقد بناء وليس بالعاطف . إن الإنسان في هذه المدن يصارع الدقائق والثواني دون معرفة أين يقف، ومتى سيقف وما الهدف من هذا الوقوف، فيعيش صراعات داخلية مع الأيام، والزمن اليومي، مما يجعله جافا. من الأحاسيس، فيغدو كالساعة كما يقول سيمل، فيعيش الوحدة والقلق، والسلام في مجتمعه المديني.
إنه هذا الانفصال الذي يحمله /الروح/والجسد، الحقيقة /الوهم /هو الذي يجعله يعيش الهوية المهدمة أو الذاتية المفرطة في التشخيص كما يقول ستيفانه جوناس S. James وهذه الدينامية الفردية تكبت في دواجلها كل القضايا التي تهمها نظرا لسلطة الجماعة، ليس بالمفهوم (هيجل المثالي) لأن هذه الثقافة المحاصرة من طرف المدينة، تجعل هذا الكائن الناطق مجبرا بالانخراط في إيقاعها، وتراتبيتها، دون إحساس بالحرية، وهذا المحو ينشأ عنه العزلة أو التمرد كبعد حتمي أو كضرورة رغم أنها هي مجال الاتصال، والإبداع فإننا نجد فضاء الاقصاء، والاستيلاب والتشيئ، والحمق، وهذه الأشكال تراها في البيوت، والطرقات قبل كورونا ومع كورنا، فظهر علم الفقر وستظهر تيارات تساند هذا الكائن كعلم الصحة من أجل نقص تفشي هذا الوباء، والتيار الإحساني الذي سينخرطون فيه المحسنون ويعفى من المجتمع المدني، كل هذا من أجل الحد من هذه الجائحة، وكذا تحديد المشاكل التي يتخبط فيها المهمش أو المقصي، والمنسي لذ “أصبح بالإمكان الوصول إلى تنظيم علمي للمجتمع وذلك ما يتجلى في التقدم على المستوى العلم الاجتماعي، الذي ينبغي أن يتخذ شكل فن اجتماعي أي أداة تساعد على جعل حياة الناس في المجتمع حياة أكثر إنسانية” فالوباء “كورونا” جعل البشر ينظرون إلى العالم، والمدن باشمئزاز وعدم تجاهل . فتشكل عندهم المنطق الحمائي الذي سيلعب دورا هاما في التنسيق المحلي، والوطني والدولي، من أجل حل هذه المعضلة، لكن هذه التحققات الاجتماعية بالرغم من بداهتها، فإن السوسيولوجي عليه أن ينطلق من الملاحظة الدقيقة نحو العمل الميداني، لمحاولة معرفة الفعل – والفاعل، دون السقوط في السرد، ولا الوصف الخارجي، لأن الكائن لا يمكن أن نعزله عن الحقل الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو التنفسي، أو التاريخي أو الأخلاقي، فهي القاعدة التي تتطلب عدة مناهج التي ينبغي استحضارها كالبنيوية، والرمزية، والوظيفية، والدينية، والاتنوغرافية، والانتربولوجية قصد الانخراط في الفعل المجتمعي حسب المفهوم الفينومينولوجي، فالنظر إلى المجتمع كنتاج فكري، ومعرفي يسمح للسوسيولوجي بإدراك أن هذه الجائحة هي وحدات هو جودة فبليا، وبعديا أتنتفل عبر عدة وسائل التي حددتها المنظمة العالمية للصحة .
مما يجعلها تنتشر دون أي بناء وقائي اجتماعي، لذا عمل الدارسون من مختلف المعارف لتفسير هذه الظاهرة الوهانية – (ووهات) لمعرفة سيرورة التنسيق بين الوحدات البحثية، وذلك بوضعها في السياق العام الذي يجري فيه هذا التفاعل /وهذه العلاقة الجدلية بين الفقر والواقع يتأسس على أساس نظرة السوسيولوجي، باعتباره فاعلا أولا ومنفعلا في معالجة هذا الوباء، لأنه يريد أن يكون موضوعيا لا ذاتيا كما يرى دوركايم، هكذا سيصبح العمل السوسيولوجي قدرة متحولة التي يسمح للباحث أن ينسق بطريقة تفاعلية.
من أجل فهم سلوك الشخصية. وكذا بناء معاني العالم المحيط بنا، وبه، وبفضل هذا التأويل يسمح بالسيرورة الاجتماعية لتفاعل الذات الباحثة مع الموضوع المعالج فالمعرفة السوسيولوجيا دائما تنطلق من الميدان (الفرد – السلوك – الوضع – العلاقة – الحجم – الوقت – المعنى … من أجل تدشين هذا النمط الاجتماعي الذي نسميه السوسيولوجيا الميدانية ويقول هوور ديبكر:” وسخوا أسافل سراويلكم في البحث الحقيقي” إن البحث عن كورونا، هو البحث عن البدائل التي تكون مفتوحة على الوجود، بكل معاييره، الشيء الذي يقربنا من تاريخ -(الولادة) الذي ساهم في تغيير جغرافية العالم، ورسخ التواجد بين الناس من أجل تجاوز هذه المحنة، أما على المستوى الاقتصادي، فقد قلب التوازنات بين من يهلك ومن لا يملك، مما أحدث هزة في كينونة الإنسان، والسلطة الحاكمة، فظهرت تناقضات، وتراجعات في المجتمعات، رغم اتخاذ بعض التدابير الوقائية، والمساعدة البطيئة، إلا أن هذه الرؤية الترقيعية لا تفي بالغرض. فهذا اللاتواصل بين القاعدة والقمة، جعل الوباء يخلق أزمة سواء على المستوى الكمي أو الكيفي وهذه النزعة الميكانيكية، جعلت الوباء يتخذ وضعيات تتكرر مرات ومرات، ولا يمكن لنا بأي حال من الأحوال أن نغير القاعدة التي انتشر فيها وبها، رغم الحجم، والوقاية، كذا المطلوب هو إبداع قدرات على عدم خضوع مثيرا، فمن الممكن أن تكون متعددة التمظهرات والأشكال، ولضبطه كحقل لابد من تحديد مكوناته ومرتكزاته الضابطة، في هذا الإطار من قرصنة اشتغل عليها الباحثون ومفادها أن الوباء يتناسل من روافد الحيوانة، والإنسان باعتباره جزاء من حقل أعز لأنه علا قمة بالحيوان علاقة كلية، تبقى متميزة، من حيث أنه يركب داخله مجموع هذه الطقوس، الموت كمحور مركزي، إلى جانب خصومة للعديد من التجارب السريرية (التنويم المغناطيسي أو الإكلينكي، أو المعرفي … وتتأطر العلاقة بينهما بألية العنف المؤثر على الجسد، ليتقاطع داخله الديني، والاجتماعي، والاقتصادي، لأن الوباء “كورونا”، هو فضاء مركب من موضوع يشكل محور “التدمير” وإطار اجتماعي، قروي أو مدني وفردي، وجماعي، فهو يحيلنا على الدورة الطبيعية، والزراعية، الشيء الذي دفع بالباحثين إلى الربط بين مثل هذا الوباء والأدوية القديمة، من حيث جعلوا هذه المقاربة شكلا من أشكال التعامل الأسطوري مع الحداثة، هدفها هو معرقة الخصوبة والولادة الوبائية التي تشكل أساس التواجد الاستمرار الطبيعي والإنساني، في هذا السياق نقدم بعض المحددات المؤطرة لهذه القراءة الوبائية وهي على الشكل التالي:
– إن الوباء يحيل على دورة زمنية ماضية أكثر منها معاصرة، فرغم حضور وتدخل العلمي مع الاقتصادي، فإن الوباء تجاوز كل الحواجز ودمر كل الحقول المنتجة، والحيوية.
– إن ظهوره تم داخل الفضاء المديني أو الحصري، وهذا ما يجعل الفضاء القروي متمفصلا بشكل كبير مع البعد التدميري، والموتي إن الوباء في تمظهره الزمكاني كألية انتهاكية وهو ما يجعله على صلة كبرى بالتوترات الاجتماعية وأشكال التنظيم الاقتصادي والسياسي والمعرفي، والاجتماعي القائم.
– إن الوباء كخطة مركزية تمردت على الإنسان، والحضارة، والتاريخ وعلى كل العلوم، وهو ما يجعله ليس فقط تفتيتا للقارات، وإنما هو أيضا اغتيال للحلم والخيال، والأساطير.
– إنه ممارسة إرهابية بنيوية، لا تعرف من هو الفاعل بل نعرف الفعل كبعد تحييني يتخذ به الإنسان صورة الضعف، ويسيطر عليه سؤال الوجودي “هل انتهت سيطرتى؟ وكيف استطاع هذا الوباء أنه يتجاوز قدراتي؟ فهذه الاسئلة هي وعي وجودي، وبيولوجي، ومعرفي.
وجهار مركب، وفكر مجسد، وأداة تعبير، ووسيط يتحقق عن طريق وجوودنا نحن البشر، فهو تحول كوكوجيطي، من أنا كيف أفكر، وكيف أتخطى العتبة؟ إذن فهو ليس حيزا فارغا، بل قادر على الفعل كما يقول سبينوزا، لذا عمل ميرلوبنتي بإعادة النظر في هذه الحواس التي همست من طرف الفلسفات وأيضا من الجائحة، لأن الإدراك الحسي، هو الذي يدفعنا لمعرفة ذواتنا، فهي عما الوجود بالمفهوم الكلاسيكي ويقول سبينوزا “ليس أجدى للإنسان من الإنسان في عالم يعرف فيه الجسد ويعترف به” فالوعي بالذات وبالوجود يمر عبر “الوباء” دون طرح ثنائية الحياة الموت المركز الهامش الجسد الروح كما بلورتها الأرسطية، والديكارتية ، فالجسد هو فيزيقي وميكانيكي، والفكر هو الجوهر والماهية، ولا يتعلق بأي سيئ مادي ويقول “بالروح أكون متميزا كليا، وبشكل حقيقي عن جسدي” فالجسد الأنثوي الإنساني يتعرض الأن لهزات تكتونية من طرف الوباء، مما يجعلنا نعيد النظر في الوعي التجريبي الحداثي بمفهوم هابرماس كبعد براديكمائي وكحتمية ضرورية تربطه بشروط كميائية خالصة، باعتبارها مواثيق علمية تعلن باحترام الجسد، والروح، ومحاربة الفوالميت التي تخضع هذا الجسد للعنف السلطوي، والرمزي أو الإقصاء كما حدث في أمريكا سنة 1992-2020 وبريطانيا وبعض الدولة العربية، فالوباء إذن هو تغيير أوجه الخريطة الإنسانية، وتحويل لكل القوى الاقتصادية والفكرية والاجتماعية، فأمسى هذا الإنسان يلعن ألسنة الموت، والوادع الأخير وأصبح ينشر المصير لكل اللقظاء، والأغنياء، لعله يمد من يذكره، ومن يمسح عنه هذه الخطيئة، إذن فالإنسان محاصر بأنياب النسيان، والغياب، لأن الجائحة تحمل صليب النهاية دونه، أن تنسبح معه الوصال، هكذا يبقى السؤال المطروح “إلى متى سيظل هذا الوباء سيد العالم؟ وهل لازلنا نلوث أطياف المحداثة “نحن أسياد العالم” متى ستسطع شمس الأنوار من جديد لإعادة النظر، “الانسان مقياس كل شيء”.
المصدرقناة العرب تيفي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.