ذات شتاء توقفت للحظات ..و نظرت إلى صورته المخبأة بسرية في محفظتها، و أخذتها الذاكرة بعيدا على مشارف ماض كانت تجد متعتها في اجتراره كلما انهكتها الوحدة لتعرض شريط ذكرياتها معه، مشهدا تلو الآخر. ذاك الشريط الذي لطالما راوغته بمكابرتها لتصد دغدغاته الموجعة و تتنقل بين حلقاته مستسلمة لهذيان الذاكرة. إنه الحنين، ذلك الشعور الملتهب الذي لا يكف عن الاشتعال حتى لو حاولت جهدا إخراسه برماد النسيان ..جذوة لا تخمد..تحت المطر كل شيء يستفز وجعها، أغانيهما معا ..رقصاتهما معا..ضحكاتهما معا ..دموعهما معا ..صرخاتهما معا .. و انطفاؤهما معا . ما خطر لها أن للمطر تلك القدرة الهائلة على البوح، ها هو يسرده و يسردها على مرأى من العالم، ها هو يحكي قصة حب ائتمنته عليها.. ما خطر لها أن وجعها سيكون يوما بسبب ثرثرة مطر.. ذات شتاء أحبته و منذ ذلك الحين و إلى كل شتاء تستيقظ خيبتها لتذكرها بقصة حب غير شرعية أجهضها القدر في بداية المخاض، قصة أريد لها أن تنتهي قبل أن تبدأ. كم تمنت أن يخرس المطر، كم تمنت أن تغلق غرف ذاكرتها و تغلق محفظتها و تهرب من ماض بللها بقصة حب فاشلة، لأنها من فرط غبائها لم تكن تحمل مظلة..
حسناء الطالبي – شاعرة مغربية
